نفذ الرئيس المصري محمد حسني مبارك، الذي يعيش آخر أيامه على رأس السلطة، تهديده الضمني بإدخال البلاد في الفوضى في حال استمرار مطالبته بالتنحي عن الرئاسة، ففي تطور خطير ينذر بسقوط مصر في حرب أهلية، هاجم متظاهرون مؤيدون لمبارك ميدان التحرير التي يعتصم بها المحتجون، وهم يركبون الجمال والأحصنة، في مشهد يكشف بحث مدى تمسك مبارك بالحكم ولو كان على جماجم ملايين المصريين.
أنا أو الفوضى!
وكان الرئيس حسني مبارك قد دعا المصريين في خطابه الثاني ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، بالاختيار بين النظام والفوضى، وفهم كل من استمع إلى كلمة الرئيس التي تمسك فيها بالسلطة إلى غاية نهاية عهدته الحالية، أنه هو النظام وذهابه يعني الفوضى.
ولم تمر سوى دقائق على نهاية خطاب لرئيس المطالب برحيله، حتى بدأ المؤيدون لمبارك يهاجمون المعتصمين سلميا في ميدان التحرير، قبل أن تشتد مع مرور الوقت إلى درجة أن وصل بهم الأمر لاستعمال الأحصنة والخيول في اقتحام الساحات التي يعتصم بها المحتجين، والاعتداء عليهم بالأسلحة البيضاء والعصي..
ونقلت قناة الجزيرة الفضائية إن المعتصمين في ميدان التحرير تمكنوا من إلقاء القبض على بعض المؤيدين لمبارك من المهاجمين، ووجدوا بعد تفتيشهم هويات تشير إلى أنهم من عناصر الشرطة أو ما يسمى في مصر، بمباحث أمن الدولة، وقد نزعوا ملابسهم الرسمية واستبدلوها بأخرى مدنية. كما أكد المصدر ذاته أن بعض الموقوفين من المهاجمين تبين أنهم يرتدون بزات عسكرية، وبحوزتهم قنابل مسيلة للدموع، مما دفعهم إلى التساؤل حول الكيفية التي تمكنوا بها من الوصول إلى ميدان التحرير في الوقت الذي يطوق فيه الجيش هذه الساحة من كل المنافذ.
المساجد تحولت إلى مستشفيات
ووصل عدد الجرحى في حدود الساعة الخامسة والنصف مساء بتوقيت الجزائر، إلى أكثر من 230 جريح تم نقلهم بحسب، أحد المعتصمين في اتصال مع قناة الجزيرة، وقد تم نقلهم إلى أحد المساجد المجاورة لساحة ميدان التحرير من أجل معالجتهم في ظل الغياب التام وغير المبرر لسيارات الحماية المدنية والإسعاف. وعبر المتصل مع "الجزيرة" عن استغرابه من وقوف الجيش موقف المتفرج مما تعرض له المعتصمون العزل، معتبرا المبرر الذي قدم من بعض قادة الجيش والمتمثل في عدم الانحياز لأي طرف، أمر مرفوض البتة، طالما أن مؤيدي مبارك هم من انتقل إلى مكان تواجد المعتصمين واعتدوا عليهم.
لن نغادر قبل رحيل مبارك
ولم يؤثر الاعتداء السافر والمدبر في معنويات المعتصمين بل زادهم إصرارا على تحقيقهم مطلبهم الرئيس والمتمثل في إسقاط نظام الرئيس مبارك. وقال المحتجون إنهم لن يغادروا ميدان التحرير قبل أن يتنحى مبارك رغم وقوع اشتباكات مع مؤيدي الرئيس.
وألقى خليل وهو أحد المحتجين في الستين من عمره، كان يمسك بعصا اللوم على مؤيدي مبارك وعلى رجال أمن يرتدون ملابس مدنية، وقال لوكالة رويترز "لن نرحل. الكل سيقف في مكانه"، وذلك في رد على الدعوات التي وجهها الجيش بمكبرات الصوت تدعو المعتصمين إلى العودة إلى بيوتهم.
.. واستعداد لمسيرة جمعة الرحيل
وأكد المحتجون بالمقابل أنهم يحضرون للقيام بمسيرة الجمعة المقبل، والتي سموها "جمعة الرحيل"، في إشارة إلى إجبار الرئيس المصري حسني مبارك، على الرحيل من السلطة، ولو حتم الأمر القيام بمسيرة مليونية أخرى إلى قصر الرئاسة في مصر الجديدة بعد صلاة الجمعة، وهو الأمر الذي أخذه عناصر الحرس الرئاسي مأخذ الجد، وقاموا بوضع الأسلاك الشائكة والحواجز الأسمنت للحؤول دون وصول المحتجين إلى القصر الرئاسي في حال قرروا تنفيذ تهديديهم.
وقد خلفت الهجوم الذي تعرض له المعتصمون من طرف مؤيدي مبارك استنكارا داخل مصر وخارجها، فقد انتقد الزعيم المصري المعارض محمد البرادعي الحكومة بشدة، واتهمها باستخدام "أساليب ترويع" بعد الاشتباكات التي وقعت في القاهرة بين المطالبين بمغادرة مبارك السلطة وبين مؤيدي الرئيس. وقال في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي): "أشعر بقلق بالغ، أعني أن هذا هو علامة ومؤشر على نظام إجرامي يلجأ إلى أفعال إجرامية"، وأضاف "خوفي أن يتحول الأمر إلى عمليات سفك دماء"، وكرر مطالبة مبارك بالرحيل.
ودعا مفكرون مصريون في بيان لهم، مبارك للتنحي عن السلطة وحثوه على تكليف نائبه عمر سليمان بتولي مهام إدارة فترة انتقالية وتأمين الشباب في ميدان التحرير. وقال الموقعون على البيان إنهم ويشاركون شباب مصر "وجماهير شعبها رغبتهم في التغيير الشامل تخلصا من أخطاء جسيمة وقع فيها النظام السياسي القائم وترتبت عليها آثار سلبية جسيمة".
كما دعوا إلى حل مجلسي الشعب والشورى وتشكيل لجنة قانونية من خبراء دستوريين ورجال قضاء مستقلين تتولى الإعداد لتعديلات دستورية، وتشكيل حكومة من خبراء تنفيذيين وشخصيات مستقلة ومقبولة شعبيا لإدارة مهام العمل التنفيذي خلال المرحلة الانتقالية وإنهاء حالة الطوارئ ومحاسبة المسؤولين عما تعرضت له جماهير الشعب من اعتداءات وترويع، ومحاسبة المسؤولين في مؤسسات الدولة المختلفة ممن ساهموا في تعريض الوطن والمواطنين لآثار الانفلات الأمني غير المسبوق.
وحملوا المؤسسة العسكرية مسؤولية "إنقاذ أرواح شباب مصر" وتأمين الجموع فى ميدان التحرير وسائر أماكن التجمع في القاهرة والمدن الأخرى خلال الفترة الانتقالية "من أخطار الملاحقة والاضطهاد وانتهاك الحقوق والحريات".
وهاجم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الحكومة المصرية على خلفية ما تعرض له المحتجون ضد مبارك في ميدان التحرير، وقال إنه من غير المقبول أن تؤيد الحكومة المصرية العنف بأي صورة من الصور. وقال كاميرون بعد لقاء جمعه بـ بانكيمون الأمين العام للأمم المتحدة في لندن أمس الأربعاء "إذا اتضح أن النظام يتبنى أو يسمح بهذا العنف بأي شكل، فإن ذلك مرفوض بالمرة.
كما عبر الامين العام للامم المتحدة بانكيمون، عن "قلقه العميق" لما تعرض إليه المطالبون برحيل مبارك في ميدان التحرير بقلب القاهرة، وقال "أي هجوم ضد المظاهرات السلمية غير مقبول وأدينه بشدة". ودعا إلى تحول ديمقراطي في مصر، معتبرا ذلك حلا لا بد منه، وأضاف "لا يجب أن نستخف بخطر عدم الاستقرار في شتى أنحاء الشرق الأوسط".
إلى ذلك، قالت الجزيرة الفضائية إن القناة دعت الشركة المصرية للأقمار الصناعية (نايلسات) إلى استئناف بثها وإلا فإنها ستتخذ ضدها إجراءات قانونية. وقالت إن شركة (نايلسات) قطعت إرسالها بعد أن أغلقت السلطات المصرية مكتبها بمصر الأحد الأحد الماضي. كما تعرض بث الجزيرة على أقمار صناعية أخرى، إلى لتشويش في أجزاء من الشرق الأوسط، مما أثر في تغطيتها للأحداث في مصر.
ويتواصل توقف الحياة في مصر، وقال هشام رامز نائب محافظ البنك المركزي المصري إن البنوك المصرية ستستأنف العمل يوم الأحد المقبل بعد أن ظلت مغلقة طوال أسبوع، وطمأن بأن البنوك بها أموال كافية لإجراء كل المعاملات.