الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
بعد أن أكرمنا الله بتدبر سورة الملك على مدى الشهور السابقة ورغم أن تدبرنا شابته شوائب نقص البشر علما وفهما إلا أننا نرجوا أن نكون وقفنا على بعض أسرار هذه السورة المباركة واقتبسنا شيئاً من معانيها وعزمنا بعد ذلك على حفظها والعمل بما جاء فيها....
أقول: بعد هذا يطيب لي البدء بتدبر سورة أخرى من سور هذا القرآن العظيم وهي سورة السجدة....
وأقول في البداية:
ورد في السنة اختيار هذه السورة لقراءتها في صلاة فجر الجمعة، والمسلمون حول العالم يحرصون على هذا الامر اقتداء برسول الله وطمعاً في نيل ثواب هذا الاقتداء...ولكن السؤال الذي ظل يراودني هو عن سبب هذا الاختيار لهذه السورة ....
إنّ المتتبع للمسلمين وطبيعة علاقتهم بسورة السجدة وقراءتها يوم الجمعة وسبب اختيارها لذلك هو اشتمالها على سجدة التلاوة فتراهم لذلك يحرصون على سجدة التلاوة يوم الجمعة، فهل هذا فعلا كان مقصود رسول الله من اختيار هذه السورة؟ أفلا يوجد سور أخرى تحتوي على سجدات فلماذا لم يخترها رسول الله ويندب إليها المسلمين؟ ولقد رأيت بعض المسلمين يقتصر في القراءة على بداية السورة حتى يصل موضع السجدة وبعد السجدة يقرأ آية ثم يسجد وهذا تأكيد على موقفهم من اختيار السورة......
أحسب أنّ الأمر ليس كذلك وأنّ اختيار رسول الله لقراءتها فجر الجمعة لم يكن يوماً لاشتمالها على سجدة التلاوة.....أما والأمر كذلك فماذا يوجد في السورة من موضوعات وتوجيهات ومعانٍ كانت ضرورية لاختيارها؟
أعاننا الله وإياكم على الوقوف على ذلك............
سورة السجدة
وتسمى (الم السجدة) تمييزاً لها
قرأها النبي وحث على قراءتها
وفي بعض الأحاديث قرنت بسورة الملك فلم يكن رسول الله ينام حتى يقرأها وسورة الملك....
واشتهرت بقراءتها في فجر الجمعة....
وهي ثلاثون آية مكية على الارجح من أقوال العلماء
اشتملت على مجموعة من الموضوعات تميزت في بعضها واشتركت مع غيرها في بعضها الآخر
من موضوعاتها:
اثبات ربانية القرآن الكريم
مشاهد من يوم القيامة
جزاء المؤمن والكافر
بعض صفات المؤمن والكافر
إشارة إلى الامم السابقة
إشارة إلى دلائل الالوهية والربوبية في النفس والآفاق
وفي ثنايا ذلك توجيهات ربانية لرسول الله والمؤمنين
قوله تعالى: {الم}
موضوع الحروف المقطعة أخذ مساحات من التفاسير، وتنوعت اقوال العلماء والمفسرين في بيان المقصود واختلطت أحيانا....فمن قائل بعدم جواز البحث في معناها والتسليم في ذلك لعلم الله، ومن قائل بجواز البحث في معانيها حيث ان الله لم يتعبدنا بأمر غير مفهوم....وهؤلاء لم يتفقوا على معنى واحد....وبعضهم خلط بين المعنى ومفهوم هذه الحروف وبين المقصود والحكمة من إيرادها في القرآن الكريم..فالذي أفهمه من كلام كثير من الأئمة والعلماء أن الحكمة من إيراد هذه الحروف هي التحدي والاعجاز فيقال لمن نزل فيهم القرآن وهم أهل الفصاحة والبيان ولمن بعدهم من العرب واصحاب اللسان وكل من يتوجه له الخطاب إن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف التي تتكلمون بها وليس من حروف أخرى فإن استطعتم أن تؤلفوا من هذه الحروف التي تستعملونها في كلامكم مثل هذا القرآن فافعلوا...والله أعلم
قوله تعالى: "تنزيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين"
لعل هذه الآية تمثل محورا تدور حوله بقية آيات السورة... وهو ما سنحاول فهمه ومعرفته خلال تدبر هذه السورة الكريمة....
البداية:
في هذه الآية مجموعة من أسئلة التدبر:
أولا : التعبير بالمصدر (تنزيل) في تقرير مراد الآية...
ثانياً: التعبير بلفظ (الكتاب) عن القرآن..
ثالثاً: وجود الجملة المعترضة (لاريب فيه)...
رابعاً: التعبير بلفظ الربوبية (رب العالمين) دون الألوهية مثلاً..
في المشاركة القادمة نجيب بإذن الله تعالى....فحاولوا التفكر والتدبر..وشاركونا بعض الإجابة..
إلى اللقاء أولاً: المعنى الاجمالي للآية:
تقرر الآية أن هذا الكتاب (القرآن) منزل من رب العالمين رداً على كلام الكافرين الآتي بعد قليل في الآيات الذين قالوا إنه من كلام رسول الله ونسبه محمد لله....
ثانياً: دلالة البدء بهذا:
يدل البدء بهذ البداية القوية على شدة ما كان يواجهه رسول الله من افتراء الكفار وتكذيبهم وإنكارهم...
ثالثاً: فائدة الاية وما فيها من درس:
1- زرع الثقة في نفس النبي ومن معه من المسلمين فلا يجدوا في أنفسهم شيئاً بسبب شدة الحملة عليه وعلى كتابه
2- الرد على المكذبين القائلين بأن الكتاب كلام محمد...
والتعبير بالاسم لما فيه من الثبات والتحقق، والمصدر يدل على المبالغة وهي مقصودة في التأكيد على مراد الآية.. السلام عليكم
اشكر للأختين الكريمتين شجن الوجود ونور الاسلام وبقية الاخوة هذه المتابعة وتقبل الله من الجميع....
قدمنا تساؤلاً عن سبب اختيار النبي لقراءة هذه السورة كل اسبوع فجر الجمعة - بل قراءته لها كل ليلة إنْ صحَّ الحديث في ذلك- وذكرنا ان المسلمين في أقطار الأرض يظنون أن السجدة الموجودة فيها هي السبب ومن أجلها كان هذا الاهتمام منهم بقراءتها والحرص عليها....ولكن التأمل والتدبر المتأني لهذه السورة يوصلنا إلى أن السبب الرئيس هو ما اشتملت عليه السورة من هدف يراد تحقيقه ومن غاية يؤملُ أن تترسّخ في عقل النبي وعقول أصحابه وأتباعه على مرّ الزمن، ثم أثر هذا الهدف وما تحققه هذه الغاية في حياتهم عملاً وسلوكاً
هذا الهدف هو ما جاء في ثنايا أول السورة من آيات ثلاث
(الم - تنزيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين - ام يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما اتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون)
هذا هو المحور الذي أراد رسول الله أن يدور حوله المسلم وهو يقرأ هذه السورة:
الثقة بهذا الكتاب
والتسليم لما جاء فيه
والاقتناع أنه من عند الله
وما يترتب على ذلك في نفس المسلم وسلوكه ووجدانه...
يعني أن المسألة أعظم من مجرد سجدة تحولت إلى عادة في صلاة المسلم يسجدها دون تأمل لما تحمله السورة من معان وتوجيهات وربما غفل من شدة نعسه حين يصلي خلف إمام يقرأ السورة رَسْلاً دون تدبر وتأمل فقط لأنه اعتاد سنين على قراءتها في هذا اليوم وفي هذه الصلاة....
وللحديث بقية
إلى اللقاء